728x90 AdSpace

  • Latest News

    الأربعاء، 20 يونيو 2012

    كارولين مرقص تكتب: عشرون قطاراً


    ذهبتُ‮ ‬في‮ ‬موعدنا‮ ‬غير المتفق عليه‮.. ‬فأنا أرسلت لك‮.. ‬وأنت ـ كالعادة ـ‮ ‬لم تُجب،‮ ‬هذه المرة كان الأمل حليفي،‮ ‬أن تأتي‮ ‬وتُخلف ظنوني‮.. ‬وصلت إلي محطة المترو التي‮ ‬اعتدنا أن نلتقي‮ ‬عندها،‮ ‬جلستُ‮ ‬علي الرصيف أتابع القطارات في‮ ‬الاتجاهيْن‮.. ‬وما أن تفتح أبوابها‮.. ‬حتي تتراقص عيناي‮ ‬يميناً‮ ‬ويساراً‮ ‬في‮ ‬حركة جنونية بحثاً‮ ‬عنك،‮ ‬خوفاً‮ ‬من فقدانك في‮ ‬الزحام‮..‬


    تذكَّرتُ‮ ‬كم كنتَ‮ ‬تقبض علي‮ ‬يديَّ‮ ‬أثناء خروجنا من المترو‮.. ‬وتحتضني‮ ‬بقوة‮ ‬غير مبالٍ‮ ‬بنظرات الآخرين،‮ ‬وتلك المرَّة التي‮ ‬رأتنا فيها صديقة قديمة لي‮ ‬واضطررت أن أغيِّر اسمك،‮ ‬فلا‮ ‬يمكن أن أخبرها أن من كنتُ‮ ‬في‮ ‬حضنه ليس من أبناء ملتنا،‮ ‬وكم آلمتنا تلك الكذبة المقيتة،‮ ‬إلا أننا ضحكنا لاختياري‮ ‬اسم‮ ‬غريب ليدلل بقوة علي‮ ‬وضوح هويتك،‮ ‬وأدركت أني‮ ‬كنت أعشق ركوب المترو لاختبئ في‮ ‬حضنك،‮ ‬حتي إن اضطررت للكذب وتغيير اسمك عشرات المرات‮..‬


    ‮ ‬تنبهتُ‮ ‬إلي أن طريقك سوف‮ ‬يستقر به القطار علي الرصيف الآخر،‮ ‬صعدتُ‮ ‬مسرعة متجاهلة السلالم الكهربائية،‮ ‬وكأن قدماي‮ ‬سوف تصلان أسرع‮..‬


    ‮ ‬جلستُ‮ ‬أتابع القطارات وأحدِّق،‮ ‬رغم أني‮ ‬لم أكن أحتاج بذل مجهود لأدرك أنك وصلت،‮ ‬عطرك أنت وحدك‮ ‬يتخلل كياني،‮ ‬منذ تلك الأيام التي‮ ‬كنت أمتنع فيها عن‮ ‬غسل‮ ‬يديَّ‮ ‬عقب رجوعي‮ ‬إلي المنزل،‮ ‬لأحتفظ برائحتك معي،‮ ‬حبنا وحده ممنوع،‮ ‬وحلم النوم في‮ ‬فراش واحد‮ ‬يكفي‮ ‬لتشتعل أزمة تُهدر فيها أرواح،‮ ‬فلم‮ ‬يكن لي‮ ‬سوي عطرك‮ ‬يشاركني‮ ‬فراشي،‮ ‬ويقاسمني‮ ‬أحلامي‮ ‬المحرَّمة‮.‬


    ‮‮ ‬ساورني‮ ‬الشك مرة أخري أنني‮ ‬ـ ربما ـ أجلس علي الرصيف الخطأ،‮ ‬فأنت قد تصل إلي هذا الرصيف،‮ ‬وتنتقل إلي الآخر لملاقاتي،‮ ‬ويجوز أن أفقدك،‮ ‬ركضت علي السلالم،‮ ‬ووصلت إلي النقطة ذاتها،‮ ‬التي‮ ‬بدأت منها،‮ ‬جلست علي مقعد خالٍ،‮ ‬شاردة وعاقدة العزم علي العودة إلي المنزل،‮ ‬لأشم علي جسدي‮ ‬كله ـ وليس‮ ‬يديَّ‮ ‬فقط ـ رائحتك،‮ ‬سوف أحتضنك أمام الجميع دون خوف،‮ ‬ودون حتي أن أفكر هل سترفضني‮ ‬أم لا،‮ ‬شعرتُ‮ ‬أنك من ستبادر بفتح ذراعيك لي،‮ ‬لأنك تعرف أني‮ ‬لم أكن أستطيع أن آخذك بين ذراعي‮ ‬دون مساعدة منك،‮ ‬لم أسعد من قبل أني‮ ‬قصيرة القامة إلا عندما سندتُ‮ ‬رأسي‮ ‬علي صدرك،‮ ‬أول مرة وبكيت،‮ ‬واحتويتني‮ ‬بذراعيك القويتين،‮ ‬وعندما تحملني‮ ‬لأحتضنك،‮ ‬كانت قدماي‮ ‬ترتفعان عن الأرض،‮ ‬فأشعر أن مصيري‮ ‬كله تعلّق بك‮.‬


    لا أعرف كم من القطارات مر عليَّ‮ ‬وأنا‮ ‬غارقة في‮ ‬الذكريات والأمنيات،‮ ‬اكتشفتُ‮ ‬دموعي‮ ‬وهي‮ ‬تنهمر بغزارة،‮ ‬دون أي‮ ‬محاولة مني‮ ‬لإستحضارها،‮ ‬تلطَّخ وجهي‮ ‬الذي‮ ‬وقفت لتزيينه بعناية أمام المرآة‮.. ‬وها هي‮ ‬هيئتي‮ ‬تنهار بأكملها،‮ ‬في‮ ‬البداية تمنيتُ‮ ‬أن تراني‮ ‬وأنا في‮ ‬كامل زينتي،‮ ‬الآن أريدك أن تراني‮ ‬هكذا،‮ ‬ربما فهمت‮.‬


    لا أعرف كيف حملتني‮ ‬قدماي،‮ ‬عائدةً‮ ‬إلي منزل مرة أخري،‮ ‬وطوال الطريق لا‮ ‬يدور في‮ ‬ذهني‮ ‬سوي شئ واحد،‮ ‬أنك قررت أن تفاجئني،‮ ‬وسوف أسمع صوتك في‮ ‬محطة الوصول بجوار منزلي،‮ ‬وكلماتك المميزة التي‮ ‬تناديني‮ ‬بها‮..‬


    هل حضرتَ‮ ‬بعد رحيلي،‮ ‬ألم أجلس وقتاً‮ ‬كافياً،‮ ‬هل أخطأت عندما‮ ‬غرقت في‮ ‬دموعي‮ ‬وتوقفت عن متابعة القطارات،‮ ‬تعذبني‮ ‬فكرة أنك لم تعد تفكر فيًّ،‮ ‬ورغم مطاردتها لي،‮ ‬إلا أني‮ ‬انتظرتُك عشرين قطاراً‮ ‬علي الأقل‮.‬

    مدونة الكاتبة
    • Blogger Comments
    • Facebook Comments

    0 التعليقات:

    Item Reviewed: كارولين مرقص تكتب: عشرون قطاراً Rating: 5 Reviewed By: khaled nour
    Scroll to Top